أساسيات الحكم الراشد
اعداد. د/موسي اتيم جمعة
الحكم الراشد أو الصالح (Good Governance) هو جوهر الحكم الديمقراطي لا يشير فقط لنوع معين للحكومة (الديمقراطية) ولكنه يتضمن أيضاً عدداً من العناصر الأخرى، مثل حكم القانون، والمساءلة، ومزيد من الرقابة، واللامركزية، ومكافحة الفساد وإصلاح الخدمة المدنية، وتطوير نظم المعلومات (الشفافية)، سواء لصانعي القرار، أو للجمهور.
خصائص للحكم الراشد، هي:
1/ المشاركة : (Participation): يقال في اللغة العربية: شارك في الشيء بمعنى كان له نصيب، فالمشاركة هي ربط بين الفردي والكلي. وتعني أي عمل تطوعي من جانب المواطن، بهدف التأثير على اختيار السياسات العامة، وإدارة الشؤون العامة أو اختيار القادة السياسيين على أي مستوى حكومي، أو محلي، أو قومي، كما يمكن تعريف المشاركة السياسية بأنها: مجموع النشاطات الجماعية، التي يقوم بها المحكومون، وتكون قابلة لأن تعطيهم تأثيراً على سير عمل المنظومة السياسية.
كما تعرف بأنها: تهيئة السبل والآليات المناسبة للمواطنين المحليين كأفراد وجماعات، من أجل المساهمة في عمليات صنع القرارات، إما بطريقة مباشرة، أو من خلال المجالس المنتخبة، وفي إطار التنافس على الوظائف العامة، يتمكن المواطنون من المشاركة في الانتخابات واختيار الممثلين في مختلف مستويات الحكم. ويمكن أن تعني المشاركة أيضاً: المزيد من الثقة وقبول القرارات السياسية من جانب المواطنين، الأمر الذي يعني زيادة الخبرات المحلية المشاركة في عملية التنمية.
2/ حكم القانون: (Rule of law): وهي تأمين حماية حقوق الإنسان بالنسبة للأفراد والجماعات بشكل متساو، وكذلك المساواة بينهم في العقاب بموجب القانون. وتعلو سيادة القانون على سلطة الحكومات. فهي تحمي المواطنين من أي إجراءات تعسفية قد تتخذها الدولة ضدهم، وتضمن معاملة جميع المواطنين على قدم المساواة وخضوعهم للقانون وليس لنزوات الأقوياء،كما يجب على القانون أن يوفر الحماية للجماعات الأكثر ضعفاً وفقراً من الاستغلال والظلم وسوء المعاملة. ولتحقيق ذلك، يتوجب على الحكومات أن تخلق المؤسسات والأطر اللازمة للمحافظة على القانون والنظام، وتأسيس البنية التحتية الأساسية، لتوفير خدمات الصحة والتعليم، خصوصاً للفقراء.
ويلقى سيادة القانون، كأحد معايير الحكم الراشد، رواجاً واسعاً على الصعيدين الوطني والدولي في «ميثاق الأمم المتحدة والقرارات الدولية. فعلى الصعيد الوطني، تقتضي سيادة القانون وجود حكومة مبنية على القوانين، وسمو القانون، والمساواة أمام القانون. أما على الصعيد الدولي، فتعني بصورة أساسية خضوع علاقات الدول إلى القانون الدولي، وخاصة ميثاق الأمم المتحدة والتزام المنظمة الدولية بقواعد قانونية مرجعية تكون أساساً لمدى مشروعية قراراتها.
3/ الشفافية: Transparency وتعني إتاحة تدفق المعلومات، وسهولة الحصول عليها لمن يطلبها من عناصر المجتمع المحلي، ومن شأن ذلك توفير الفرصة للحكم على مدى فعالية الأجهزة المحلية، وتعزيز قدرة المواطن على المشاركة. فهي إحدى المصطلحات الحديثة، التي استخدمتها الجهات المختصة بمكافحة الفساد في العالم، معبرة عن ضرورة إطلاع الجمهور على منهج السياسات العامة وكيفية إدارة الدولة من قبل القائمين عليها من رؤساء دول وحكومات ووزراء وكافة المعنيين في مؤسسات الدولة، بغية الحد من السياسات غير المعلنة، التي تتسم بالغموض وعدم مشاركة الجمهور فيها بشكل واضح. كما يمكن تعريف الشفافية بأنها: توفر المعلومات الدقيقة وتحديثها أولاً بأول، وفي مواقيتها، وإفساح المجال أمام الجميع للإطلاع على القرارات في مجال السياسات العامة، وإبراز المعلومات الإحصائية حول السياسة المالية والنقدية والاقتصادية بشكل عام، وأهميتها في تصويب السياسات الاقتصادية.
فالشفافية مبدأ يستهدف خلق بيئة تكون فيها المعلومات المتعلقة بالظروف والقرارات والأعمال الحالية متاحة ومنظورة ومفهومة..وبشكل أكثر تحديداً، تعتبر الشفافية منهجية لتوفير المعلومات، وجعل القرارات المتصلة بالسياسة المتعلقة بالمجتمع معلومة من خلال النشر في الوقت المناسب، والانفتاح على كل الأطراف ذات الصلة.
4/ الاستجابةResponsiveness: تعني الاستجابة أن تسعى الأجهزة المحلية إلى خدمة كافة الأطراف المعنية، والاستجابة لمطالبها، وخاصة الفقراء والمهمشين. وترتبط الاستجابة بدرجة المساءلة، التي تستند بدورها على درجة الشفافية وتوافر الثقة بين الأجهزة المحلية والمواطن المحلي.
5/ الكفاءة والفعالية (Efficiency and Effectiveness):تتجلى الكفاءة والفعالية في البعد الفني لأسلوب الحكم المحلي، ويعني قدرة الأجهزة المحلية على تحويل الموارد المحلية إلى برامج وخطط ومشاريع تلبي احتياجات المواطنين المحليين، وتعبر عن أولوياتهم، مع تحقيق نتائج أفضل وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة.
6/ الرؤية الاستراتيجية (Strategic Vision): ترتبط الرؤية الاستراتيجية بالكفاءة والفعالية، وتعني أن تكون لدى القادة والشعب آفاق واسعة وبعيدة المدى لتحقيق الحكم الراشد والتنمية البشرية، وأن يكون لديهم شعور بالهدف المشترك، الذي يريدونه من تلك التنمية، مع فهم التعقيدات التاريخية والاجتماعية والثقافية، التي تتأسس عليها تلك الآفاق.
7/ المساءلة/المحاسبة (Accountability): يعرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المساءلة، بأنها: الطلب من المسؤولين تقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استخدام صلاحياتهم وتصريف واجباتهم، والأخذ بالانتقادات التي توجه لهم، وتلبية المتطلبات المطلوبة منهم، وقبول (بعض) المسؤولية عن الفشل وعدم الكفاءة أو عن الخداع والغش، وهي كذلك، التأكيد على أن صانع القرار في الأجهزة المحلية يخضع لمساءلة المواطنين والأطراف الأخرى ذات العلاقة.
8/ العدالة والإنصاف ( justice and equity): وتعني أن كل المواطنين في الدولة، لديهم فرص متساوية وعادلة، بغض النظر عن الاختلافات بينهم (رجالاً ونساءً)، وبغض النظر عن اللغة أو القبيلة والعشيرة… الخ.
9/ مبدأ التوافق Consensus Orientation)): يسعى الحكم الراشد لتسوية الخلافات لتحقيق التوافق حول المصالح والمنافع، التي تخدم الجماعة، وتوفير الإجراءات وصياغة السياسات الممكنة لتحقيقها.
10/ الشركاء الثلاثة: الدولة/ القطاع الخاص/ المجتمع المدني: كل تلك الخصائص تقوم على التفاعل بين مكونات الحكم الثلاثة: (الحكومة، القطاع الخاص (السوق) ومنظمات المجتمع المدني، حيث يضطلع كل طرف بوظائف وأدوار محددة.
الحرية والمساواة، واحترام الشخصية الفردية :
الحرية هي القيمة، التي وهبها الله كل الناس، وهي من معطياته وليس من معطيات الإنسان، وإذا كانت الحرية في ظل النظم الوضعية حرية منقوصة، سواء كانت تقوم على أساس سياسي أو على أساس اقتصادي اجتماعي، فهي في الإسلام حرية كاملة تقم على أساس إيماني وأخلاقي توافق ما عليه المسلم من التكليف.