محاولة الة التضليل الاعلامية الربط بين ادانة وفضح جرائم وانتهاكات المليشيا وتعرية الدعم السريع كمحض مليشيا فاشية في طبيعتها وافعالها، ومحاولة وسم ذلك بانه دعم للطرف الاخر، هي مجرد تضليل اعلامي يحاول تبرير التحالف السياسي الخفي والتقاء المصالح بين بعض المدنيين وبين المليشيا.
منذ اليوم الاول لهذه الحرب المدمرة ارتفع صوتنا وأصوات كثير من الوطنيين بوضوح ضد الطرفين وضد الحرب. ووضحنا في اكثر من مرة ان موقف الحياد في هذه الحرب لا يعني تجاهل جرائم ايا منهما بل ادانتها كلها بوضوح والعمل علي ايقافها. اختار البعض محاولة التركيز على انتهاكات الجيش وتضخيمها مقابل تقليل حجم انتهاكات المليشيا وتجاهلها تماما في بعض الاحيان في محاولة لتغطية طبيعتها الفاشية التي لا تستقيم مع الحياة الطبيعية ولا تستقيم ايضا مع اي افاق للتحول في السودان. هذا المنهج الفاسد في رأيي وصل في وقت ما لدرجة الاختلاق والتزييف فيما لا يحتمل، وذلك عندما تم تأليف واقعة اغتصاب ونسبتها الي الجيش، فقط من اجل المساواة في ذكرها في بيان الجبهة المدنية لايقاف الحرب في ١٣ مايو والذي صدر لإدانة حوادث الاغتصاب التي تم توثيق ارتكابها بواسطة قوات الدعم السريع، فقاموا باختلاق واقعة اغتصاب من اجل نسبها الي الجيش في بيانهم المذكور. وهو ما اضطرت الجبهة لاحقا للاعتذار عنه وسحب البيان بعد الاستنكار الذي لاقاه هذا الاختلاق . ولكن كشف هذا الامر عن طبيعة الجبهة كواحدة من الواجهات السياسية التي تسعى لخدمة طرف سياسي معين بدلا عن السعي لتحقيق الهدف الذي تحمله في اسمها: ايقاف الحرب واستعادة مسار التحول الديمقراطي. وكان هذا النقد قد ورد هذا في عدد من بيانات الانسحاب من الجبهة المذكورة قبل وبعد هذا البيان، ولكن جاءت هذه الواقعة كدليل عملي عليه.
انتهاكات الجيش في هذه الحرب لا تحتاج لاختلاق لادانتها، ولا تحتاج الي زيادة (كوز موية). الجيش السوداني الحالي معطوب بداء الشمولية التي اورثتها إياه ثلاثين عاما من حكم الكيزان، وقبلها معطوب بجرثومة الممارسة السياسية المتجذرة فيه منذ الاستقلال وقبله. وهذه علل هيكلية جعلته قليل الاكتراث باداء دوره الاساسي في حماية المواطنين وبطبيعة الحال بامنهم وامانهم، بقدر ما هو معني بخدمة اهدافه السياسية. ولهذا شهدنا على يديه القصف العشوائي لمناطق المدنيين التي احتمت بها المليشيا، وشهدنا الاعتقالات التعسفية لمتطوعي لجان المقاومة وابطال غرف الطوارئ، واغلاق لطرق الاغاثة وغيرها من الانتهاكات التي ظلت المنظومة الامنية والعسكرية تمارسها في السودان، وهي انتهاكات تستحق الادانة والشجب والاشارة والتذكير بها على الدوام وكلما حدثت، من اجل ايقافها دون ان يحتاج ذلك الي اختلاق، وهي انتهاكات تحدث جراء علل هيكلية ظللنا بسببها نطالب باصلاح المؤسسة العسكرية منذ ٢٠١٩، وقبل ذلك (قبل ان يزايد البعض ويسعون الي هوايتهم في التضليل الاعلامي فليضغطوا على وسم #اصلاحالمؤسسةالعسكريةحقوواجب_وضرورة الذي ظللنا نكتب فيه عن هذا الموضوع قبل انقلاب ٢٥ اكتوبر وبعده
ولكن السعي لابرازها وتجاهل ما ترتكبه المليشيا من شنائع أفظع؛ شملت القتل الجماعي على اساس الهوية كما حدث في غرب دارفور، والاغتيال السياسي كما حدث في جريمة مقتل المرحوم خميس ابكر ووالده والاستاذ طارق مالك رئيس الهيئة الفرعية لنقابة المحامين في غرب دارفور و غيرهم، والاغتصاب الممنهج المستمر الذي وصل حاليا لدرجة التحري الذي تجريه المجموعات الحقوقية حاليا عن وجود اسواق لبيع الفتيات المختطفات على يد المليشيا، والنهب المستمر للبيوت والممتلكات في الخرطوم التي يتم تجريفها بشكل مستمر حتى هذه اللحظة، واحتلال المستشفيات والمنازل وطرد سكانها وتحويلها لمقار عسكرية للمليشيا والتي شملت احياء كاملة مثل حي الصبابي في بحري، وبعض احياء الملازمين في امدرمان، ذلك غير الدمار الذي اصاب البنى التحتية والمؤسسات في السودان على يد المليشيا مثل جامعة الاحفاد والجامعة الاهلية ومركز محمد عمر بشير وغيرها من القائمة الطويلة لجرائم قوات الدعم السريع والتي تستمر في ارتكابها. كشفت هذه الجرائم عن الطبيعة الفاشية المتجذرة في تكوين المليشيا، والتي لن تتسق ابدا مع وجود استقرار او سلام في السودان ناهيك عن افاق لتحول سياسي ايجابي فيه. ومعالجة وجودها لن تتم عبر اغفال النظر عن جرائمها بل عن طريقة تعريتها ومواجهتها بوضوح كاسباب مبدئية لرفض استمرار وجود هذه المليشيا على ساحة المشهد السياسي السوداني. لكن السعي للتغافل عن ذلك ومحاولة ايجاد اساس تمثيل اثني او جهوي ومنحه لقوات الدعم السريع، بتغذية المخاوف الاثنية والمناطقية والسعي لفرض المليشيا كممثل لمصالح اصحاب هذه المخاوف، فهو جريمة استغلال وتضليل سياسي لا تقل فداحة عن الحرب. قوات الدعم السريع ليست ممثلا للقبائل العربية في دارفور وليست ممثلا لقبائل الرحل، وبالتأكيد فان قوات الدعم السريع ليست ممثلا لاهل الهامش ولا قضاياهم. قوات الدعم السريع لم تنشأ كتطور طبيعي في الحراك السياسي والاجتماعي في تلك المناطق او في سياق ظروفها وقضاياها ومظالمها. بل هي كيان تم تخليقه وصناعته بواسطة الكيزان والحركة الاسلامية من اجل خدمة مصالح تنفيذ أيدولوجيتهم ومشروعهم الحضاري العنصري.
هذه المليشيا انشأها البشير ونظامه بالاساس كاداة قمع وابادة جماعية ليتم استخدامها في حمايتهم باستخدام كافة ما يلزم من وسائل قمع وانتهاكات وابادة ضد كل ما يهدد وجودهم وبقاءهم، وليس من البعيد ان نتذكر ان اول ظهورهم كان إبان تظاهرات سبتمبر ٢٠١٣، حيث وقف المتظاهرون، ولكنهم اطلقوا النار رغما عن ذلك ليقتلوا عشرات المتظاهرين من اجل مستقبل افضل لشعبنا فداء للبشير ونظامه. وتواصلت واتصلت سلسلة جرائمهم بعد ذلك، من دارفور وكردفان وبقية اصقاع البلاد المختلفة.
هذا القمع والإجرام هو طبع متجذر فيها سيمنعها على الدوام من ان تصبح اداة للخير او الاستقرار او السلام.
غرض هذه الكتابة ليس تبيان مدى اجرام المليشيا، فقد اضحى بينا لكل صاحب بصيرة، ولكنها رسالة مفتوحة لبعض الذين لا زلنا نتوسم فيهم بقية من عقل سياسي تهمه مصلحة هذه البلد واهلها. بان (البيرقص، ما بيغطي دقنه) كما جاء في المثل السوداني الفصيح. وان الموقف السياسي -وخصوصا في مثل هذه الظروف التي تمر بها بلادنا- لا يتم اتخاذه خفاء، او بطريقة السر والجهر. هذا شعبكم يتعرض للقتل والتشريد في خضم حرب سيئة، كلا طرفيها مجرمين. سطوا على السلطة معا، سرقوها في انقلاب ٢٥ اكتوبر، ثم اشتكلا على غنيمتهم، فاحتربوا فوق روؤس السودانيين ودمروا بلادهم.
اذا كانت رويتكم السياسية ان الدعم السريع لها دور يمكن ان تلعبه في مستقبل البلاد، وانها ستدعم مشروعكم الذي تظنون فيه خيرا للتحول الديمقراطي في السودان -وهو ما لا اظن بانه معقول او ممكن- فاخرجوا بهذا الموقف للناس بوضوح، واعملوا معهم على ايقاف هذه الانتهاكات التي يستمرون في ارتكابها وتجعل ايقاف هذه الحرب كل يوم اصعب واصعب. اما استمرار هذا الاستهبال الذي يجعل اعضاء قوات الدعم السريع وهم يخوضون هذه الحرب بكل انتهاكاتها وفسادها يرفعون شعار لا للحرب ويبتذلونه بهذا الشكل القمئ، فهو الذي يطيل امدها ودمارها على السودان وشعب السودان. او ان كان موقفكم غير ذلك، وكنتم في ضفة الموقف الذي اراه الموقف الوطني الصحيح، ضد الطرفين المتحاربين، وضد المستفيدين منها، وضد الحرب من اساسها، فتوقفوا عن محاولة احراز مكاسب سياسية على حساب ما يسيل من دماء ابناء الشعب السوداني وما يصيبهم من انتهاكات وجرائم وتشريد وتقتيل واغتصاب الي اخر قائمة المأسي الطويلة التي شهدناها خلال هذه الحرب.
الموقف السياسي لا يتم اتخاذه واخفاءه… هذا لا يستقيم في شأن امر يخص الناس، كل الناس!
اخرجوا لشعبكم بموقفكم كما هو… وحاولوا اقناعهم به، فهذا الشعب هو صاحب الامر من قبل ومن بعد. اما إن كان بكم خجل او حياء منه، فاعيدوا النظر فيه، فلعله خاطئ. واخرجوا على الناس بما يشبهكم كقوى تسعى فعلا لمصلحة السودان وشعب السودان.
والبرقص ما بيغطي دقنه…
حفظ الله السودان وشعب السودان