محمود الجيلي .. حـــبّ النوافـــــــر عند مي .. (2)
ابراهيم احمد الحسن
(1)
الاسرة الطيبية مسقط رأس محمود كما وصفها المكاوي عندما جن ليل ليلى في ام مرحي.إمتدت فيها ليالي الذكر والشعر الذي هو من نفس الرحمن مقتبس، ومن نبع طابت والجذور نتأمل سيف الدين الدسوقي ومحموداً آخر هو الدكتور عمر محمود خالد ومحي الدين الفاتح والشيخ الفاتح قريب الله, محمد سعيد العباسي ، الجيلي صلاح الدين ثم محمود الجيلي صلاح . قولوا لي بل أبحثوا معي خيوط النور التي تربط قول سيف الدين ربان زمن الافراح الوردية حين يغزل الشعر وينسجه “والحب أروع ما في الكون نغزله / خيطاً من الشمس أو قطراً من السحب” وحين يواصل “وآخرون دماهُم كوّنت نسبي/ وأصدقاء عيونٍ فضلهم مددِ/ إن حدثوك حسبت الصوت صوت نبي” وينطلق من اعماق جينات اسرة طيبية ليجعلنا في عوالم تنطق “والناس قاماتهم طالت إذا هتفوا / بالشمس جيئي تعالي هاهنا اقتربي / جاءت على خجل حيرى تسائلهم / من ذا على النيل يا أحباب يهتف بي”.
(2)
ما هي صلة ذلك القول بمحي الدين حين يمسك بأهداب الشعر يرنو نحو الشرق بالأنفاس نُزلا ، بالوحي وبالرُسل وعندما يتجلى محي الدين الفاتح فإنه لا يملك الا ان يقول(و الشرقُ كانت له أنفاســـه نُــزُلا / بالوحي بالريح فتق أرضـنا رُسُلا / و الشرق كل جميل قد جرى مثلا / و الشرق بابلُ بل بغدادُ بل كسلا / و الشرق أنتِ فأنتِ السِحرُ في كسلا ) ويأتي عمر محمود خالد ب (انتى مهما تغيبى عني / اصلو مابتفوتى مني / عايشة فيا و ساكنه جواي/ فى خواطري فى مشاعري / فى تسابيحي وغناي ) ونترك الدكتور في تسابيحه ونقف عند محمد سعيد العباسي حين يشدو (فعلموا النشء علما تستبين به/سبل الحياة وقبل العلم أخلاقا..) يقدم محمد سعيد العباسي الاخلاق قبل العلم ولا غرو فهذه سمات اهل طابت وسجاياهم ، يمتطى العباسي ذات السجايا ثم يمضى في القول: ( غيري شدا فتعالوا اليوم فاستمعوا/شعر النواسي من تلحين إسحاقا../ شعر هو الأدب العالي أنسقه/كالدر عقدا وكالخيري أطباقا../ أحبو به كل من رقت شمائله/منكم وبات إلى العلياء تواقا..) نعيش هنيهة في نسق الدر عقداً، ترق شمائلنا نتوق الي العلياء ثم نأتي المهندس الجيلي صلاح الدين في شئ من التقوى حين يقول (تذكرنا مساءً ذات عيد / لمحنا في المغارة نجمتين / وشارفنا المجرة لا نفيق/ يدور بنا شهاب من لجين / وتذهلنا المتاهات ارتقاء/ فتكبحنا المحاذر بين بين ) ، ثم نقف مع محمود الجيلي مع المحمود المصطفى من كان هدياً صلوات الله وسلامه عليه، ننتقل مع محمود الي تلك التي تشبه ليلى في ذاتها وصفاتها والهامها لشعراء في قامة محمود الجيلي صلاح الدين .
(3)
محمود الجيلي ينتقل من ( أطلّ من المشـــارق وجــه مي / بنور مثـلـــما شمــس الضحي / وفــــرع بالمفـــــاتن قــد تدلى ويحــــكي لونـه حــــلك الدُجي ) وكدأب اهل طابت من الشعراء ينقلك حيث يريد ولا تملك الا ان تحلق معهم عالياً تنظر العباسي في مقام الادب العالي ومحمود في الاخلاق الرفيعة حين يشدو وينشد ويقول (فخذ بنصيحتي و أسمع لقــولي / ودع حـــبّ النوافـــــــر يا أخي/ ووجـــه قلبك الممــــلؤ بشــراً / تجـــاه النـــور وضـــاء المحي/تجاه المصطفى من كـان هدياً/ ومن طـــويت له البيــــداء طي/ومن لولاه ما كـانت نجــــــــاةٌ / و ما تـلـــيت تراتـيــــــل بــحي) وهكذا تكون لقيا مشارق الفاتح في كسلا مع مشارق محمود حيث أرض مي مع تسابيح عمر مع خيوط من الشمس وقطراً من السحب نسجها سيف عن كل الذين (دماهُم كوّنت نسبي ) من اهل طابت وأم مرحي أرض الاكسير وترانيم العباسي مع العلم ، حيث سكب كرمه كله حين جاد للعلم جود الأكرمين وما كانت عطاياه تعبيسا وإطراقا..
(4)
ومع إغفاءة المهندس الجيلي صلاح الدين عند مسار المجرة (وشارفنا المجرة لا نفيق )من طابت الجيلي صلاح الدين نأتي محموداً في حب التوافر ،نمشي في إتجاه النور وتراتيل الحي . أي الأحياء في طابت ؟ أتراه القبة ؟ وكل الأحياء في طابت تجاه النور والتراتيل والأذكار شَعلاً من النَوْر . نمضي معه في اتجاه طابت.
عند فلق الصباح يلوح شعاع الشمس أعلى القباب، نقف نتأمل شرقها تتراءى فيه أشعار وأذكار ويطل من ثنايا الألق فيه محمود الجيلي وعند الغروب نرى أنجماً في سماها تسطع ثم نسمع حفيف القريض يسري مطوفاً لا يهدأ حتى اذا جاء عند مديح رسول الله (ص)،يقف وهو لا يفتأ يردد مع الشيخ عبدالمحمود من شعر سرور الإبن عند طابت( إن كان غيري بمدح الغير متصفا /حسبي بوصف رسول الله متصفا ) ، يقف هو ونقف نحن عند قصيد المديح في طابت ، نقف، ثم نقف ثم لا نغادر .