بقلم/ مدثر علي عبدالرحمن
ربّما لم أتوفّق في العنوان ، ولكن لأنني أريد أن أتحدث عن إنسانة ربّما الكل يعلمون ماذا قدمت وماذا كانت تعني لأمتنا عند حياتها وحتى بعد مماتها لذلك يكفي إستخدام أيّ عنوان للتعبير عنها حتى يكون ملائماً للمقال….
نعم لقد تعمّدت إستخدام كلمة الأم قبل إسمها ، لأنه ربما البعض يرى أنّه من الأفضل إستخدام كلمات أخرى ( المغنية فقط ) أو ألقاب أخرى مثلتها في حياتها، ولكنني إستخدمت هذه الكلمة ( الأم ، المربية ) ، نتيجة للمكانة التي يحظَى بها الأبناء عند أمِّهِم ، إذ جميعنا نعلم أنّ الأم تَسْخَر كآفة قوتِها وطاقتِها من أجل أبناءِها ولن تفكر مطلقاً في أن تبخل على أبناءها بمثقال ذرة من عرق جبينها ، وحنانِها ولُطفِها وودِّها ، وكل ما تُفَكر فيها هي نجاح وتفوق أبناءها .
هكذا كانت درجة إيمان الأم مريم أمو بالثورة الدارفورية فآمنت بها أشدّ إيمان ، ولكن إيمانها كان بتعقُّل ، فكانت ترى الشعب الدارفوري كأبناءها ، لذلك قدّمت وضَحَّت للثورة الدارفورية مِثْلَما تُقدم وتضحى كل أم بكل ما لديها لأبناءها إلى آخر أنفاسِها …
[ ] لماذا الحديث عنها ؟
في الأوقات التي يسود فيها الصمت بحثاً عن حلولٍ تنتشِلُ الأمة من الضياع وعلى محْك المحو من الوجود من قبل العدو ، وفي لحظات تعالِي صرخات النَجدة من المستضعفين من الأمة وإستمرار صياح المقتدرين العاجزين معنويًا من أبناء الأمة ، وفي ظلّ إستمرار تجديد عقود صلاحيات الوهم والخطابات الرومانسية من قِبل نُخَب أبناء دارفور لأمّتِهم ، وفي ظل إستمرار عُدوان المُحْتل والتقرُّب من تحقيق أهدافِه ، لا بُدَّ لنا من إستذكار الأم والمربية والفنانة الثورية الحقَّة مريم أمو ، لأنّ الإطّلاع حول إرثها تعطينا بعض الحلول وتُعيد إحياء الأمل في النُفُوس لأنّها تذكرنا بأمجادنا وتاريخنا وتذكرنا بمن كنّا نحنُ ؟ ولماذا نَحنُ هنا الآن ؟ وماذا نريد أن نفعل حيال إرث أسلافنا ( التاريخ ، الثقافة ، الأرض ) ؟
بناءاً على هذه النداءات سيصحُو ضمير الأمة !
وربّما البحث والعمل على حُلول تعيد وضع أمتنا على خارِطة التاريخ والوجود ، والمساهمة في الحضارة الإنسانية جنباً بجنب مع باقي الأمم …
إنّ الحديث عن الأم مريم أمّو يعني الحديث عن واقِع الأمّة الآني ، لأنّها لم تكن تتفوَّهَ بكلمة إلا وذكرت دارفور…
ومِثْلُما في هكذا أوقات نُعود في بُطونِ الكتُب للقراءة لأعمال بعض المفكرين و البحث عن حُلول جديدة عندما تنفذ الحلول التي في أيدينا ، وبمقدار إزدياد جهد الباحثين لإعادة النظر حول بعض أفكارهم وحلولهم التي أصبحت بالية نتيجة لتغيُّر معطيات الواقع ، ومحاولة إعادة قراءة الواقع من جديد بأدوات ووسائِل جديدة … يجب علينا العودة لأعمال ولإرث الأم مريم أمو ليس فقط لقراءة أفكارها ورؤاها من جديد ، كونها ساهمت بأفكار كثيرة للثورة الدارفورية ، ولكن للتزوُّد بروحها الثورية لأنّها بمَثابة مرجعية أخلاقية للثورة ، من ناحية إلتزامها وصرامتها وصِدقها وشجاعتِها وبسالتِها وتضحيتها ، تجاه الثورة … ستجعل الكثيرين يعيدون النظر حول مواقفهم المضادة للثورة ، وسيجعل المشكِّكين بالثورة مؤمنين بها ، والمؤمنين بالثورة سيزرفون الدموع لتقصيرهم تجاه القضية ، حتى الفلاقنة من أبناء دارفور أمثال ( نمر ، الهادي ، مناوي ، خميس ، تجاني سيسي …..الخ ) إذا إستمعوا إليها يمكن أن تعود دماء الملوك في عروقِهم وتجري من جديد فيغيروا مواقِفهم …
فمن ناحية روحها الثورية هي من طينة المناضلين العمالقة الذين لم يتوقف تدفق دم الملوك ( ملوك كيميت و الكوش ، وتمبكتو ، …وغيرها من ملوك ممالك أفريقيا العظام ) في شريانِهم ، أمثال الدكتور جون قرنق ديمبيور و الأستاذ داؤود يحي بولاد والأستاذ يوسف كوة مكي ودكتور خليل ، والأب نيريري، بوب مارلي ، إبراهيم قرض ، علي دينار ، سنكارا ، سيلاسي ، والأب كابرال ، والأب سامورا ميشيل ، ….الخ .
لقد سبق وأن تحدثت عن أعمالها في مقال سابق ، وعن أنواع الفكر التي كانت تنادي بها ، وعن الفرق بينها وبين الفنانين الحاليين ، وعن مصدر وإلهام أغانيها ومدى مخاطبة أغانيها لواقع الأمة ولكني لم أتناولها بعمق .
لمعرفة مدى تجسُّد أفكارها للواقع فقط أنظروا إلى ايّ عمل من أعمالها الأخيرة فعلى الرغم من أنها رحلت قبل ٤ أعوام إلا أنّنا عندما نتأمّل في أواخر أعمالها الذي أنتجته قبل رحيلها نجد أنها مطابقة للواقع الدارفوري الآني فمثلاً كانت لديها أغنية تخاطب بها الشعب الدارفوري في الشتات وتلومهم عن وضع الأمة المُزري وعن مصير أرض أجدادهم فتقول في أغنيتها :
إذا حزمنا حقائِبنا و قررنا العودة إلى بلدنا ( دارفور )
ولكن لم نعد نمتلك الأرض !
لقد تركنا أرضنا يأخذها المستوطنين ( تقصد الجنجويد)
*****
لقد تركتم الأرض للآخرين ليأخذوها عوضاً عنكم …
لقد تركتم أرضكم للمستوطن ليقتلوا فيه ذويكم وأهلكم …
الأرض أرضنا ولكن أصبحنا نصرُخ ونبكي فيها يوما تلو الآخر .
دارفور التي أصبحت مكانا للبكاء والعويل والصراخ !
أرضنا التي يقتلوننا فيها !
إذا قررنا أن نعود إلى بلدنا ( دارفور ) !
ولكن لم نعد نمتلك الأرض !
لقد تركنا أرضنا ليأخذها الجنجويد !
*
إشتقنا إلى أرضنا ونريد أن نعود فيها !
ولكن لم نعد نمتلك الأرض حتى نعود إليها !
لقد تركنا أرضنا يأخذها الجنجويد ….
القارئ لهذه الكلمات الذي لم يسبق له أن وجد كلمات هذه الأغنية أو إستمع إليها سيَظُنّ من الوهلة الأولى أنّ هذه الكلمات كانت بالأمس ولم تكن قبل ٥ أعوام ، نتيجة لواقعية هذه الكلمات ، ولكن المتابع والمستمع الجيد لهذه الراحلة لديه هذه الحقيقة مسبقاً ويشعر بها شعوراً .
عندما نتعمق في هذه الكلمات واللّحن نستطيع أن نعلم لمن هذه الكلمات ؟ ونعرف خطورة الموقف الذي أصبح فيه وضع أمتنا ؟ ولماذا إستخدم هذه اللّهجة الحادة ولما اللوم على أبناء دارفور ؟
ولمن النداء ؟
إنّ الذي جعل فكرها وكلمات أغانيها تتلمس وتُعبِّر عن آمال وتطلّعات وشعور أمة دارفور هي مخالطتها للأمة في الريف وفي الغابات والأدغال وفي معسكرات النزوح واللجوء في الشتات لذلك هي كانت مُلمَّة بكل تفاصيل حياة الأمة وكانت تشعر بمعاناتِهم بكلّ صدقٍ من عُمقِ دواخلها ، لذلك كل شيء كانت تكتبه وتغني به يعبِّر عن حال الأمة .
أيضاً الإبتعاد عن صُخب و ضوضاء ورفاهية المدينة الزائفة هي ما جعلها تكون بتلك الدرجة من الثورية ، لأنّه كما يقال ويحدث بأنّ المدينة دائِماً ما تقتُل روح الثورية في الناس وتجعلهم راضخين للواقع مهما كان بائساً.
صحيح أنّها في أواخِر أعوامها سافرت كثيراً حول العالم ، ولكنها لم تسافر لأجل الكَسب المادي الشخصي أو رجاء العالم لمساعدتنا كما يفعل المخادعين ، ولكنّها فعلت ذلك لرؤية أحوال الأمة في الشتات ولحثّهم على التمرّد والمقاومة وتحرير أراضيهم من المحتل ، لذلك لم يهْتَزّ إيمانها بالثورة وكانت في خدمتها إلى آخر أنفاسِها…
وللحديث بقية…..