الخرطوم- أفرابيا
حقيقةً من الظواهر المهمة والتي يجب دراستها هي
وظهرت هذه العناصر الجديدة في المواجهة المباشرة، متمثلةً الراسمالية الجديدة ودعاة التغيير الإجتماعي والإقتصادي في البلاد.
طبعاً ليس سهلاً تتبع تاريخياً كيفية نشأة هذه الراسمالية الجديدة، الا أننا نجد سياسياً أن المفهوم السائد للراسمالية هو الذي استخدمه الحزب الشيوعي السوداني سابقاً وظل فاعلاً في التوصيف وهو مفهوم “الراسمالية الطفيلية” والتي ظهرت مع طبقة التجار الاسلاميين، والتي بدأت في عهد حكومة نميري واستمرت إلى قيام الحكم الإسلامي. وارتبط المفهوم منهجياً ونظرياً مع بروز التيار الإسلامي في البلاد.
بالإضافة الى ذلك برز توصيف جديد وهو الراسمالية العشائرية او الريع العشائري والذي لا يختلف كثيرا عن سابقه خاصة في أهدافهما للمحافظة على الوضعيه المتسيطرة على راس المال وبدأ هذا نشاطه الإقتصادي منذ ما قبل ظهور الدولة السودانية الحديثة في ١٩٥٦ واستمر الأمر إلى أن تم استبداله بالنظام الراسمالي الجديد واختلط مع النظام الراسمالي الإسلامي، واخذ شكلا معقداً للغاية، من حيث البعد الإجتماعي (الزواج المتداخل) والذي كان اهم عامل إستمرار هذه الطبقة في السلطة.
طبعاً هذه الراسماليات كانت واضحة في بنيتها حيث انها كانت تنتهج سياسات واضحة تجاه المحافظة على الوضعيه التاريخيه المختلة الموروثة اجتماعياً واقتصادياً كنظام ثابت غير متغير ولا يمكن تغيره وفقاً للموانع الهيكلة التي وضعت له.
ومع استمرار هذه الطبقة في السلطة، برزت توصيفات جديدة مثل النخبة المركزية أو الصفوية وكثير ما تم تبنيها من قبل كتاب سودانيين مرموقين مثل الدكتور منصور خالد في “النخبة السودانية وادمان الفشل”كذلك الأسس النقدية للتجربة الراسمالية “الوطنية” في كتاب “قضايا الماركسية والثورة السودانية” لعبدالخالق محجوب.
وأما الظاهرة الجديدة والتي بدات بارتباطها بالهامش واستخدمت كآلية متخفية وسط الهامش واستخدمت الهامش الإجتماعي والسياسي كغطاء سياسي لفترة طويلة، للمحافظة على الوضعيه التاريخيه الاقتصادية والإجتماعية.
هذا يذكرنا بسلوك عضوية الحزب الشيوعي الذين كانوا يظهرون في الجامعات السودانية متظاهرين انهم من الطبقة العاملة في ملابسهم ولكن في حقيقة الأمر انهم ينتمون إلى الطبقه الراسمالية الطفيلية القابضة على الإقتصاد الوطني والتي احيانا يسمونهم الراسمالية الوطنية.
فإبراهيم الشيخ، هذا الراسمالي الغريب الذي ظل متخفي وسط ابناء الهامش حتى بنى بهم حزبه، في بحري بحي شمبات حيث كانت دار الحزب المتواضعة، والعباسية بامدرمان وكنا نشهد بعد فترة تآكل الحزب واختفاء الكوادر الحقيقية التي بنى بهم الحزب.
وبعد سقوط النظام كان تركيز إبراهيم الشيخ وهمه انه كان يخشى وصول حركات الكفاح المسلح إلى السلطة وكان أشد المعارضين لاتفاقية جوبا لسلام السودان حتى طُرد وفُصل من وفد التفاوض، وليس ذلك فحسب بل تخلص من كل العناصر المهمة التي ساهمت بصورة كبيرة في الحزب، وكان همه أن يكون وزيراً لوزارة الصناعة حتى يتثنى له السيطرة على البنية الصناعية في البلاد كاملاً بعد ان وصل على ظهر الهامش.
فما نسمعه من أحاديث إبراهيم الشيخ الآن هو صرخات الراسمالية الجديدة بعد ان فقد الحرس الايديولجي القديم وتبقى لهم بعض المستسلمين لراسماليته وتنازلوا عن مشروع السودان الجديد، وتحولوا الى الدفاع عن الطبقة الجديدة بعد ان تم نقل دار الحزب الى الموقع الجديد الذي يتناسب مع الوضعيه الجديدة حيث الأثاث الرسمالي والمواقع كذلك …الخ وتساقط الهامش الذي لا ادوات راسمالية له.
وظل إبراهيم الشيخ في شراكة تجارية مع الراسمالية الطفيلية حتى أنشأ سوقاً كاملا باسمه اسواق إبراهيم بامدرمان والإضافة إلى المصانع والعقارات المحلية والاقليمية التي تحصل اليها، ولولا تعاونه مع النظام البائد لما كان اليوم مستمرا في ممتلكاته الراسمالية ” ادوات الإنتاج” .
فدور إبراهيم الحقيقي هو اعادة إنتاج ابناء الهامش داخل منظومته ونجح في احتواء عدد منهم، منهم الاصدقاء نعلمهم جيدا، وبعضهم من خرج وصار ينتقد أنشطة الحزب و قيادته بالشللية.
عملية التغيير مستمرة ولا يستطيع إبراهيم وغيره من الراسمالية الجديدة ان يقف امامها، فالمواجهة المباشرة لمنظومة الراسمالية الجديدة تزيد من تعرية هذه الوضعيه وتفكيكها تماماً.
فالهامش لم يصير حرساً ايديولوجيا للحفاظ على الوضعية الإجتماعية والإقتصادية القديمة وانما يتبى مشروع العدالة الإجتماعية والذي يجب أن يبدأ لاحداث إصلاحات عميقة لتفكيك هذه الراسمالية الجديدة والطفيلية السابقة وتأسيس وضعية عادلة جديدة.