كتب مصطفى عبدالرحيم:
ليس دفاعا عن دكتور جبريل ولكن :
تحمل مسؤولية إدارة وزارة مالية السودان اشبه بتحمل ضغط انفجار قنبلة هيدروجينية .
ليس النجاح ان تدير اقتصادا منتجا ذو ايرادات ضخمة ودعم دولي ومانحين ولكن النجاح الحقيقي ان تدير اقتصادا في ظل عدم استقرار سياسي وسيولة أمنية وتعطيل متعمد لدولاب عمل الدولة وشح الموارد وعدم وجود اي دعم دولي وتحقق استقرارا في اسعار الصرف وتخفض التضخم من 450 % إلى 86% في سنة واحدة وتخلق احتياطي نقدي يتجاوز ال 2 مليار دولار واحتياطي من الذهب في البنك المركزي وتوقف تماما تجارة العملة والمضاربة في اسعار العملات وتحد نوعا ما من تهريب الذهب عبر المنافذ الرسمية وفوق ذلك توقف تماما تجارة ورق الصادرات والوارد .
نمط الاقتصاد الاستهلاكي البذخي الذي شجعته الانقاذ بعد ظهور البترول خلق مجتمعا عاطلا يهتم فقط بشراء السلع وخلق كتلة ضخمة من الوسطاء والسماسرة الذين اثروا نتيجة تزايد ثقافة الاستهلاك البزخي غير الرشيد والمضاربة في اسعار العملات وبيع وشراء رخص الصادر والوارد .
معالجة اختلال الاقتصاد تبدا بسياسات تحد من الاستهلاك وتزيد من الانتاج . فزيادة الانتاج تخفض التضخم وترفع من قيمة العملة المحلية و وقف الاستيراد المفتوح للسلع غير الضرورية والاعتماد على المنتج المحلي للعودة لمسار الاقتصاد السليم .
البكاء والصراخ من سياسات جبريل والسخرية منه قولا ( فكي حبرين ) ورسما( تصويره كأرقوز ) و حملات تشويه صورته الغرض منها معارضة سياسته التي اوجعت الراسمالية الطفيلية والتي حتما ستعود بالاقتصاد الى مساره الصحيح ،اقتصاد لا يعتمد على القروض والمنح والدعم الدولي بقدر ما يعتمد على موارد حقيقية محليةحتى وان كانت في بدايتها في شكل ضرائب ورسوم .
الاقتصاد الامريكي الضخم الذي يسيطر على العالم يعتمد بنسبة 75% على دافع الضريبة والسوق الحر ، فالدولة هناك لا تتدخل في الانتاج ولا تحتكر اي من ادواته ولا تتاجر في السلع والخدمات .
يحمد لساسيات دكتور جبريل أن صمم موازنة 2022 على الموارد المحلية ولم يضمن أي ارقام وهمية انتظارا لدعم مانحين واصدقاء سودان وقروض واعانات رغم ذلك اثبتت سياساته قدرتها الفائقة في وقف تدهور العملة والمضاربة فيها حتى اصبح سعر البنك اعلى من سعر السوق واختفت نغمة (الدولار طلع والدولار زاد وارتفع ) .
احدثت السياسة الاقتصادية المتبعة رغم قسوتها وفرة في سلع الوقود ،الدقيق و الدواء خلال سنة كاملة بل وتخفيض اسعار المحروقات في كل مرة ، كما احدثت استقرارآ في الامداد الكهربائي، ووفرة في انتاج القمح خلال الموسم الماضي ووفرة السكر واستقرار اسعاره خلال عام كامل واختفاء الصفوف تماما واحدثت وفرة في السلع الغذائية الاخرى واستقرارآ في اسعار اللحوم والخضر والفاكهة ولم يكن ذلك نتيجة قلة الطلب و عدم وجود مشترين وإن كما يروج له وإن حدث فبنسبة قليلة ، لكن مرد ذلك لانتفاء المضاربة في القطاعات الاقتصادية غير الانتاجية واختفاء طبقة السماسرة والوسطاء والبيع المباشر من المتج للمستهلك في كثير من السلع كل ذلك تم بموارد محلية ودون اي قروض او منح او انتظارا لدعم مجتمع دولي واصدقاء سودان ومانحين وداعمين .
غدآ سيذهب دكتور جبريل كما ذهب غيره فالمناصب لا تدوم لاحد . وغدآ سياتي آخر و ستكون سياسته غير سياسة دكتور جبريل فليس مطلوب منا أن ندافع عنه كشخص لكن ندافع عن سياساته الاقتصادية التي اوقفت تدهور الاقتصاد ، ندافع عن سياساته الاقتصادية حتى لا يعود نمط الاقتصاد الاستهلاكي البغيض، وحتى لا تعود تجارة العملة والمضاربة في اوراق الصادر والوارد وحتى لا يعود التضخم للانفلات من جديد، فالنجاحات التي تحققت في ظل سياسات دكتور جبريل خلال 2022 لا ينكرها إلا مكابر . أما الصراخ والعويل انما هو من الذين تضرروا من سياسة الاغلاق والمتاجرة في العملات والاعتمادات المصرفية والتمويل المصرفي غير المضبوط والاعفاءات الجمركية المفتوحة .
ليس على دكتور جبريل التنازل عن سياساته لارضاء جماعات الاستهلاك غير الرشيد وليس عليه الخضوع لضغط جماعات العمل بالاستدانة من الجهاز المصرفي لتغطية عجز الموازنة بطباعة النقود لزيادة الاجور ومن ثم انقلات التضخم وعودته لارقامه الثلاثية _ فالاقتصاد لا يدار بالاماني الرغائبية ولا بالمعالجات الجزيئة المدمرة للمجموع الكلي _ بل المطلوب منه الاستمرار في سياسة الضغط على الاستهلاك وايجاد معالجات لاثار الاقتصاد على الفئات الضعيفة في المجتمع وذوي الدخل المحدود عن طريق منح شهرية او دعم اجتماعي لتخفيف الاثار الكلية .