لا يمكن لأي انسان أن يكذب أو يصدق حديث المرأة التي تشكر وتحمد تعامل الدعم السريع في ود مدني وتهاجم فرار الجيش السوداني من المدينة.. من المهم التذكير باننا إزاء حرب فيها كر وفر.. مسألة هروب واندحار الجيش امام الأعداء أمر طبيعي وفق الميدان ومعطياته.. الصحابة عليهم رضوان الله أنفسهم ومنهم ابابكر الصديق ، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان فروا أمام الكفار وتركوا رسولهم ومعه قلة قليلة ثبتت.. هل كان يعني ذلك كفر اؤلئك الصحابة بالدين والعقيدة؟؟ وهل انتصار الكفار في تلك اللحظة يعني أن لهم عقيدة ومبدأ صائب؟ بنفس القدر أري هذه السيدة أن كانت صادقة قد كفرت بعقيدة الجيش السوداني وآمنت بعقيدة الدعم السريع.. وهذا هو مجرد تكتيك في عقيدة مليشيا الدعم السريع.. فهي قد نجحت في استراتيجيتها وعقيدتها الاساسية التي استخدمتها في دارفور وفي الخرطوم وكردفان.. الا وهي القتل والنهب والبطش والتبشيع بالجثث ونشرها علي نطاق واسع.. تلك المسألة لم تأتي عفو الخاطر او مجرد غباء أو لحظة نشوة من هذه المليشيا بل هي مقصودة في ذاتها.. فتلك الفيديوهات عن الأعمال الوحشية لمليشيا آل دقلو انتشرت كالنار في الهشيم.. هذه هي استراتيجية بث الرعب والخوف لقتل الروح المعنوية في الجيش والشعب.. هو اسلوب قديم كان يتبعه فارس عبس عنترة ابن شداد فهو حين سئل أأنت اشجع العرب.. قال لا.. فقيل وكيف عرف عنك ذلك.. فقال: “كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزماً، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزماً، ولا أدخل موضعاً لا أرى لي منه مخرجاً، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع، فأثني عليه فأقتله.”
هذا ما يفعله الجنجويد الآن.. فقد أحجموا عن دخول الفاشر حين رأوا اصرار حركات الكفاح المسلح وقوات الشعب المسلحة وشعب الفاشر علي مواجهتهم..
الأسلوب الناعم هنا تكتيك لأسباب كثيرة منها ان المجتمع الدولي والامريكان وجهوا تحذيراً لهم من ارتكاب مجازر في ود مدني المكتظة بالنازحين.. ومنها الطابور الخامس المساند لهم داخل المدينة ومن بينها كوادر قحت المتغلغلة في اعلي مستويات الجهاز التنفيذي.. وسأسكت عن مسألة وجود خيانة من بعض قيادات الجيش طالما هناك تحقيق يجري بهذا الشأن.. اذا ربما هناك خيانة أو سوء تقدير للموقف حدث من بعض القيادات بغرض تجنب المعارك بين المواطنين داخل المدينة..
وهي نفس إستراتيجية المغول التي استخدموها لاكتساح العالم الإسلامي فقد انتصروا ببث الرعب والفزع قبل الهجوم علي المدن.. ولكنهم انهزموا في عين جالوت حين ثبت المسلمون بقيادة سيف الدين قطز..قرار المواجهة كان من مثل جنس عمل التتار، حين قتل قطز رسل الاستسلام الذين ارسلوا لتسليم مصر سلماً أو أن القاهرة سيكون مصيرها مثل بغداد!
خسارة ود مدني ليست النهاية لكنها تكون كذلك حين يتخلي الشعب والجيش عن الإيمان بعدالة قضيته!
مدني نفسها ستكون بداية النهاية لهذه المليشيا الغاشمة اذا امكن فهم استراتيجية الوحش الجنجويدي ومشروعه الاستعماري الذي يسعي الي تحقيقه.. فأي استعمار يسعي الي السيطرة علي الارض اولاً والبشر ثانياً.. فقد يبداً عنيفاً.. باطشاً .. غاشماً لكنه سيتحول تدريجياً الي مناداة ضحيته بأسلوب ناعم يا سيدي ويا سيدتي.. كل ذلك لانه يريد ضمانة السيطرة علي الانسان بعدما سيطر واستوطن في ارضه.. وذلك ما قال به فرانتز فانون عالم النفس والثوري الافريكاني في كتابه (معذبو الارض( حين كان يحلل في اساليب الاستعمار في السيطرة علي الانسان الافريقي.