طالعت في مقال قصير على صفحة شمس الدين ضو البيت على الفيسبوك، بعنوان “تدشين انفصال دارفور؟”
وشمس الدين ضو البيت هو شخص كاتب ومدير مركز شهير. ومقاله يعتبر له قيمة. ولابد من الرد عليه.
طبعاً قضية انفصال دارفور ليست جديدة لدي النخبة السياسية السودانية او لدي المثقفين السودانيين عموماً. فهي قضية تثار حسب الظروف او الضرورة او المزاج.
وكثير من الناشطين الداعمين او الرافضين لقضية انفصال دارفور تحدثوا فيها كثيراً دون أن يكون احديثهم تأثير لتحقيق ذلك.
سواء ان كانوا من أبناء دارفور او الآخرين.
تاريخياً، قضية انفصال لدارفور لم تطرح مطلقا من قبل الحركات الاحتجاجية او المطلبية او حركات الكفاح المسلح اخيراً.
ومنذ تتويج تكوين السودان بعد (١٩١٦) بعد ضم دارفور اليه أصبح السودان دولة واحدة. ورغم الظلم الذي مورس على حق شعب دارفور بعد الإستقلال لم يتم إطلاقاً طرح رسمياً مطلب حق تقرير المصير لدارفور مثل بقية الأقاليم لتاريخ اليوم.
ففي العام (١٩٥٧) نشأت حركة اللهيب الأحمر وثم في (١٩٦٣) حركة سوني وفي (١٩٦٤) جبهة نهضة دارفور.
وفي كل هذه المراحل التاريخية للتطور قضية دارفور لم تكن قضية حق تقرير المصير واردة. بل كانت قضايا العدال الاجتماعية هي المحورية، مثل المشاركة العادلة في اتخاذ القرار السياسي، والتوزيع العادل للسلطة والثورة وهكذا.
لم تكشف الأسباب إلى في التسعينات بعد لقاء احمد ابراهيم دريج بدكتور جون قرنق، وفي مؤتمر القاهرة لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ونظام الحكم في (١٩٩٨م) أشار دريج في ورقته أن العلاقة بين دارفور والوسط علاقة مبنية على الدين فلذلك قضية تحقيق المصير مستحيلة، وأشار إلى الاختلاف بين دارفور وجنوب السودان على هذا الأساس، لذلك لم يكون ايضاً مطلب نظام العلماني لم يكن واضحاً.
وفي (١٩٩١م) خرج داؤود يحي بولاد من رحم الحركة الإسلامية احتجاجا على التمييز العرقي الذي مرس ضده من قبل إخوانه ثم خرج وانضم إلى الحركة الشعبية أيضاً لم تكن قضية حق تقرير المصير واردة في طرح داؤود بولاد.
واخيرا في العام (٢٠٠٢م) عندما تم تأسيس حركة جيش تحرير السودان ذهبت في ذات الاتجاه القديم، ولم تطالب بحق تقرير المصير مع انها قدمت كل القضايا الخلافية مثل المطالبة بنظام علماني وليبرالبي وفيدرالي…الخ.
القضية الوحيدة التي لم تطالب بها الحركة هي قضية حق تقرير المصير. ولم تشهد الحركة في تاريخها اي انشقاق تم على اساس خلاف حول قضية من القضايا المطروحة، مثل الصراع الذي تم في الجنوب بين الوحدوييين والانفصاليين.
والجدير بالذكر مع انه موقف لم يكن مؤثراً على مستوى الحركة او مستوى المجتمع نفسه هو موقف احد قادة الحركة وهو يحي بولاد والذي آثار قضية حق تقرير المصير في الحركة تم فصله، اعتقد ما بين (٢٠٠٥ و٢٠١٠م ) ويقيم الآن في إنجلترا.
يقول شمس الدين ضو البيت أن “تدشين انفصال دارفور” جاء بعد حديث المواطنيين في الخرطوم عن وصف قوات الدعم السريع، كقوات اجنبيه لا حواضن اجتماعية لها في السودان.
طبعا الذين يتحدثون عن هذا ربما لا يعرفوا أن دارفور ظلت لمدة عشرة أعوام من الابادة الجماعية المستمرة وقتل ما لا يقل عن (٣٠٠٠٠٠) الف قتيل والالاف من الحرائر المغتصبات والميئات من القرى المحروقة، والميئات من المفقودين والجرحى. ظلت دارفور بعيدة عن تضامن هؤلاء معهم.
فكراهية قوات الدعم السريع لا تعني كراهية شعب دارفور إطلاقا
ويقول ضوالبيت: “أن تسمع من المواطنين عندما يتعلق الأمر بدارفور العبارة اليائسة قصيره النظر (خليهم ينفصلوا يريحونا) ذات العبارات والمشاعر التي سادت قبل انفصال الجنوب”
طبعاً نختلف هنا مع شمس الدين، يجب أن نعلم أن الجنوب يختلف عن دارفور ، وأن الاختلاف يكمن بينهما في مطلب حق تقرير المصير. حيث أن الحركة الشعبية طالبت في الاتفاقية حالة فشل الطرفان في تحقيق الوحدة الجاذبة يحق لشعب جنوب السودان الاستفتاء في الإختيار بين الانفصال او الوحدة بشكلها المشوه.
ونعود إلى ما قاله شمس الدين: ” تعالت في الخرطوم، نتيجة للشحن وخطاب الكراهية الذي ساد قبل الحرب” طبعاً مدلول الخرطوم هنا يقصد به النخبة الاجتماعية والسياسية، المستفيدة من الوضعية التاريخية المختلة.
والسؤال الذي يطرح هنا لماذا تعمم النخبة عادةً الكراهية وما دخل قوات الدعم السريع بدارفور، هل قوات الدعم السريع تمثل دارفور؟ لا بالتأكيد فهي قوات في دارفور نفسها غير مرحب بها نسبة للانتهاكات التي مارستها ضد شعب دارفور، وذلك معلوم للجميع.
ويشير شمس الدين إلى ما ذكره الإخواني عبدالرحيم حمدي ويقول “وبعد هذه الكارثه الإنسانية التي تسببت فيها الحرب سنكون مواجهين بكارثة وطنية ثانيه قوامها أن الحرب دشنت فعليا عملية انفصال دارفور، ليكتمل الضلع الثاني من المثلث الشهير: الأبيض سنجة دنقلا”
ويؤكد شمس الدين أن دلالة الخرطوم أصبحت واضحه تحيل إلى النخبة السياسية الإسلامية. ولا ندري ان كان يمثل هذا ما يقوله سابقا “أن تسمع من المواطنيين” هذه العبارة يجب ان تفصل من الاخيره.
لأنها تدخلنا في اشكالية مفهوم المواطنة المتساوية، ويطرح سؤال من هو هذا المواطن الذي يقرر في انفصال جزء من أجزاء وطنه بسبب حركة متمردة او شخص تمرد؟
قضية الانفصال ليست قضية تْطرح هكذا عند الغضب او مزاج شخص ما او حركة. هي ارادة شعبيه، وهي قرار يتخذه الشعب في حالة فشله في التعايش السلمي اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وتشريعياً مع الآخر.
ومطالبة المواطنيين في الخرطوم كما يقول ضوالبيت نتيجة للشحن وخطاب الكراهية ثم ممارسات الدعم السريع بانفصال دارفور. السؤال كم هو عدد المواطنيين الذين ينادون بالانفصال، ومن اين أتوا؟
هم فئة قليلة وجدت الامتيازات في السلطة لذلك لا تريد اي شريك لها. والنظر إلى مليشيا الدعم السريع بهذه النظرة القصيرة لن تساعد على ايجاد حلول جذرية لهذه ألازمة، والتي تمثل جرح في جسد السودان، ينبغي معالجة الجرح وليس قتل الجسد كله.
وفي ذلك نقول نتفق مع شمس ضو البيت ان ضرورة وقف الحرب ودمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وصولا لجيش واحد وخروجهم من السلطة والحكم هو المخرج الوحيد للحفاظ على على السودان.