(نجـــــــوم في الحــــرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمــد جمــال قنـــدول
الناطق الرسمي لـ(الكتلة الديمقراطية) د. محمد زكريا أمين الإعلام بالعدل والمساواة لـ(الكرامة):
قيادي بـ(قحت) حاول إقناعي بالمغادرة لأن الحرب (قاب قوسين)..
لو عادت عقارب الساعة ما شاركنا فى تغيير 2019 …
(….) هذا ما قاله وطلبه الفريق أول كباشي قبل الحرب بثلاثة ايام..
تعرضت السيارة التي يقودها سائقي الخاص لاطلاق نار وهذا ما حدث(….)
حاولنا تحرير (الحرية والتغيير) من (4 طويلة) ولكن؟!
(لجنة التفكيك) اصبحت ذراعًا باطشًا بسلطات تشريعية وقضائية وتنفيذية
في هذه المنطقة كنا نسير بين الجثث (….)
(….) هنا عايشنا معاركًا ضاريةً وشرسة
قد تسكتُ حرب الرصاص ولكن (….)؟!
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو الناطق الرسمي لـ (الكتلة الديمقراطية) د. محمد زكريا أمين الإعلام بحركة العدل والمساواة، فماذا قال في إفاداته:
أول يوم الحرب أين كنت؟
في منزلي بالخرطوم بحري، وكنا نتأهبُ للخروج متوجهين إلى مسكن د. جبريل إبراهيم، وذلك في إطار جهود للتوسط لنزع فتيل الأزمة وقتها بين الجيش والميليشيا، كانت تقوم بها قيادات الكفاح المسلح، وبالتالي قبل الخروج اندلعت الحرب وأصبح التحرك صعبًا، وقبلها بثلاثةِ أيامٍ تناولنا إفطار رمضان في منزل الفريق أول ركن شمس الدين كباشي شخصي مع د. عشر وبابكر عبد الرحمن القيادي بالحزب الاتحادي الأصل ونور الدائم طه من حركة تحرير السودان، وانضم لاحقًا بعد الإفطار مبارك أردول، وكان حديث الفريق كباشي واضحًا بأنّ التقارير جميعها تفيدُ بتحركاتٍ للميليشيا وقتها، وعلينا نحن كقوى سياسية أن نتحرك لإدراك ما يمكن إدراكه، وذكر نصًا(تحركوا من هذه اللحظة). ومنذ وقتها ونحن كنا في عملٍ دؤوبٍ وحَراكٍ نشطٍ جدًا، وفي صبيحة السبت انفجرت الأوضاع لم يكن مدهشًا بالنسبة لنا.
يعني خيار الحرب كان متوقعًا؟
نعم، من واقع التوتر، وهنالك أيضًا شواهد أخرى بالإضافة إلى التوتر الماثل عسكريًا آنذاك مثل: مغادرة بعض قيادات القوى السياسية للخرطوم، وتحديدًا صبيحة يوم الجمعة.
أنت تقصد قيادات “قحت”؟
تحديدًا لا أُريد ذكر أسماءٍ، ولكن هنالك قيادي من مجموعة المركزي ذهب بسيارتي وسائقي الخاص للمطار، وحاول إقناعي أن أرافقه لأنّ الحرب قاب قوسين أو أدنى.
على مدار ثلاثة أيامٍ تحركتم لنزع فتيل الأزمة كما ذكرت، أذكر لنا بعضًا من تفاصيل تلك الأيام التي سبقت الحرب، هل التقيتم المتمرد “حميدتي”؟
نعم.. انعقدت عدة لقاءاتٍ مع “حميدتي” وقتها، شارك فيها من جانب قوى الكفاح المسلح د. جبريل، والحاكم مناوي، والسيد نائب رئيس مجلس السيادة عقار وعدد من قيادات الصف الأول من (الكتلة الديمقراطية).
القوات المسلحة في اللقاءات التي انعقدت كانت واضحةً في موقفها تجاه ما يسمى بعملية الإصلاح الأمني والمؤسسي والآجال التي يجب الالتزام بها لدمج الدعم السريع في القوات المسلحة، بينما قيادات التمرد وقتها كانت تمارس نوعًا من التهرب والمراوغة، وكذلك كان هنالك تبادل أدوار بين “حميدتي” وشقيقه كل طرف يرسلنا للآخر، وكنا نجتهد الالتقاء بالطرف الأول يعني باختصار (كان بضيعوا زمن) حتى اتفقنا أخيرًا على لقاءٍ مشترك يوم السبت يجمع بين البرهان و”حميدتي” ولكن سبق ذلك تمرد الميليشيا.
كيف مر اليوم الأول للحرب عليك؟
أنا أسكن “حلة حمد” بجوار الديار القطرية، والساعات الأولى قذيفة عشوائية أصابت العقار المجاور، وأدى إلى اشتعال العمارة، فاضطررت أن آخذ أُسرتي وأُغادر إلى منطقة الكدرو.
الرحلة ما بين حلة حمد والكدرو؟
شعرتُ بالبؤس والإحباط، وأننا كنُخبٍ سياسية جزءًا مما آلت إليه الأوضاع بالبلاد ونتحمل المسؤولية الأخلاقية، وفي المسار من حلة حمد ومرورًا بالمحطة الوسطى وشارع المعونة، كنا نسير وسط الجثث.
في تلك اللحظات وأنت تنظر إلى أطفالك، ماذا جال في خاطرك؟
الخوف وقتها لم يكن على الأسرة الصغيرة والوالدة، وإنما على الوطن ككل، وأنا أنتمي لحركة مسلحة ضاقت مآسي الحرب، وبالتالي أعلم أنّ الحرب ستكون لها آثارها المخيفة على الإنسان والحيوان، وكانت قراءتي من ذلك الوقت أنّ الحرب قد تبدأ ولكن النهايات غير معلومة.
كم مكثت في الكدرو؟
أكثر من شهرٍ.
ثم أين كانت الوجهة؟
في البدايةِ، رفضت الإخلاء رغم أنني أحمل الجنسية البريطانية، والوضع الصحي للوالدة أجبرني بعض مضي شهر لاصطحابها لإجراء عملية في القاهرة، وفور الاطمئنان على صحتها ذهبت للمملكة واديت عمرة ، لأنّ الإحساس بأنّ النخب وقيادات العمل السياسي يتحملون الوزر الذي حاق بالأمة السودانية.
مأساة عايشتها أيام الحرب؟
كثيرٌ جدًا من المآسي مرت أيام الحرب منها: بعض الأهل وأفراد الأُسرة من الخرطوم كانوا يقصدون الوصول إلينا بالكدرو، وتعرضوا لإطلاق رصاص من الميليشيا بكبري كوبر، وقبيل صعود عربتهم من الخرطوم لكوبر حملوا أحد المارة الواقفين على الطريق، وحينما صعدوا لكوبر تعرضت السيارة التي يقودها سائقي الخاص الذي يقل بعض أفراد الأُسرة للرصاص، وشاءت إرادة المولى أن يتوفى الشخص الذي حملوه من الكبري وجاؤوا بالجثمان حتى البيت في الكدرو، وعايشنا كذلك معارك شرسةً ضاريةً دارت رَحاها في محيط العمارة التي أقطن بها بالكدرو، الأطفال كانوا يختبئون تحت الأسِرة، وزجاج النوافذ يتهشم، والسيارات أمام المنزل حُرقت.
حسرةٌ شديدة؟
لو كان هنالك من ندمٍ، أنا سعيدٌ بأن التغيير الذي حدث 2019، قاد لتوقيع اتفاق السلام الذي أوقف الدماء، ولكن في ذات الوقت هذا التغيير والفشل في إدارته من قبل الفاعلين السياسيين، أدى لوقوع الحرب، ولو عادت عقارب الزمن للوراء لما شاركنا في هذا التغيير بهذا الشكل.
حكومة حمدوك ضخمت الميليشيا؟
مجمل فترة الانتقال الممارسة السياسية شابها روح التشفي والانتصار للذات، لم يكن هنالك وعي بالمخاطر المحدقة بالبلاد، وانفتحت القوى السياسية بشكل كبير على الخارج (المجتمع الدولي)، لكي يتدخل بالشأن السوداني، وهذا التدخل واحدٌ من أسباب تقاطع المصالح ونشوب الحرب.
المصدر: موقع الكرامة