في اواخر سنين القرن التاسع عشر، وقف ابراهيم الخليل وهو لم يكمل بعد السادسة والعشرين من عمره، في وجه الخليفة عبدالله التعايشي عشية هجوم الانجليز على امدرمان ليواجهه بخطأ استراتيجيته في الدفاع عن العاصمة، قبل ان ينتفض في بسالة الجندي الاسطوري النبيل، صائحاً في التعايشي (المهدية مهديتكم، ونحن قدنا بنسدو، الا نصرة مافي)…
لا يستحق شعبنا كل هذا الذي يحدث له، لا يستحق شعب ابراهيم الخليل ان يقع بعد اكثر من قرن من الزمان فريسة لجنون حفنة من المتجبرين الذي طغوا في البلاد واكثروا فيها الفساد وشردوا منها العباد. لا يستحق شعبنا وهو بعراقة حضارته الضاربة في عمق التاريخ، وكرم خلقه واصله المحتد، وناصع نيته وحكمته الموروثة، وعبقريته المبدعة التي طوعت الحديد وصنعت الفولاذ، وعمر بسواعد بنيه، الارض حيثما قطنوا.
لا نستحق ما يحدث لنا… ولكن قسما بدماء شهداءنا في ثوراتنا الثلاث، قسماً بنبل هتاف الدراويش وهم يواجهون وحشية الماكسيم، قسماً بعبق التاريخ الاسطوري الذي يفوح من طبقات ود ضيف الله، قسماً بانغام الفلاتية وابو داوود والعطبراوي، قسما بمشرع الحلم الفسيح الذي لا يزال يسعى في دربه شعبنا، قسما بصوت ذاك الحفيف الخفيف الذي يحيط بخطو مناضلين مبدتئين في دربهم الي اجتماعاتهم الاولى لكي يعدو العدة لمواجهة الاستعمار، قسما باهازيج علي المك وغزلياته في امدرمان و(المجد لمين) وشعر صلاح احمد ابراهيم وابداع الطيب صالح والوان الصلحي، قسماً بكل غمامة تبكي علينا، بعد ان كانت تعد العدة لتفجر الارض وعداً وشهداً وتمني… سنعود الي بلادنا مرفوعي الروؤس وشامخين في كامل سيادة شعبنا على تراب وطنه. سينتهي هذا الكابوس بكل جنونه وستنتهي حرب العشيرة والعشيرة.
سننهض الي بلادنا التي نشتهي والتي نستحق … كالعنقاء من بين الرماد وسنمضي سنمضي الي ما نريد، ولابد من الخرطوم ولو طال اليها السفر!